شروط الصحيح عند مسلم
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما
سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقسمها
على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغنى
فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن
المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث
الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره
إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم فأما ما
وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن شاء الله تعالى فأما القسم
الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن
يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا لم يوجد في روايتهم اختلاف
شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك
في حديثهم فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في
أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن
كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب
ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار فهم
وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن
عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة لأن
هذا عند أهل العلم درجة رفيعة وخصلة سنية ألا ترى أنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة
الذين سميناهم عطاء ويزيد وليثا بمنصور بن المعتمر وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي
خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم لا شك عند
أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وإسماعيل
وإتقانهم لحديثهم وأنهم لم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث وفي مثل مجرى هؤلاء
إذا وازنت بين الأقران كابن عون وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث
الحمراني وهما صاحبا الحسن وابن سيرين كما أن بن عون وأيوب صاحباهما إلا أن البون
بينهما وبين هذين بعيد في كمال الفضل وصحة النقل وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن
صدق وأمانة عند أهل العلم ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم وإنما
مثلنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلهم سمة يصدر عن فهمها من غبي عليه طريق أهل
العلم في ترتيب أهله فيه فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته ولا يرفع متضع
القدر في العلم فوق منزلته ويعطي كل ذي حق فيه حقه وينزل منزلته وقد ذكر عن عائشة
رضي الله عنها أنها قالت أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس
منازلهم مع ما نطق به القرآن من قول الله تعالى وفوق كل ذي علم عليم فعلى نحو ما
ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألت من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما ما كان منها عن قوم هم
عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله
بن مسور أبي جعفر المدائني وعمرو بن خالد وعبد القدوس الشامي ومحمد بن سعيد
المصلوب وغياث بن إبراهيم وسليمان بن عمر وأبي داود النخعي وأشباهم ممن اتهم بوضع
الأحاديث وتوليد الأخبار وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا
عن حديثهم وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره
من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها فإذا كان الأغلب من
حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة فمن هذا الضرب من المحدثين
عبد الله بن محرر ويحيى بن أبي أنيسة والجراح بن المنهال أبو العطوف وعباد بن كثير
وحسين بن عبد الله بن ضميرة وعمر بن صهبان ومن نحا نحوهم في رواية المنكر من
الحديث فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من
مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم
والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد
ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته
وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما
عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في
أكثره فيروى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما
وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس
والله أعلم قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم
ووفق لها وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر
الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء
الله تعالى وبعد يرحمك الله فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثا
فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة وتركهم الاقتصار على
الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقلة الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعد معرفتهم
وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر ومنقول
عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة أهل الحديث مثل مالك بن أنس وشعبة بن
الحجاج وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من
الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل ولكن من أجل ما
أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى
العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا أجابتك إلى ما سألت * مقدمة صحيح
مسلم ص. 4-6 *
قال إبن جماعة : العاشر ذكر مسلم في أول
صحيحه أنه يقسم الحديث ثلاثة أقسام واختلف الحفاظ فيه فقال الحاكم والبيهقي لم
يذكر غير الأول واخترمته المنية قبل الثاني وقال القاضي عياض بل ذكر الثلاثة في
كتابه فقسم الحديث على ثلاث طبقات من الرواة فالأول حديث الحفاظ فيبدأ به ثم يأتي
بالثاني بطريق الاستشهاد والاتباع حتى يستوفي الثلاثة وكذلك العلل التي وعد
بإتيانه بها أتى بها في مواضعها من الكتاب من إرسال ونقص وزيادة وتصحيف قلت ولو
قيل أتى بالقسمين الأولين دون الثالث * المنهل الراوي ص. 35 *
الضبط
والضبط ضبط صدر وهو أن يثبت ما سمعه بحيث
يتمكن من استحضاره متى شاء وضبط كتاب وهو صيانته لديه منذ سمع فيه إلى أن يؤدى منه
وقيد بالتام إشارة إلى المرتبة العليا في ذلك