زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد
إن من الشروط الأساسية
لصحة الحديث الضبط ، والزيادة والنقصان في سند من الأسانيد مع اتحاد المدار أمارة
من أمارات عدم الضبط ، وعدم الضبط مخرج للحديث من حال الصحة إلى حال الضعف .
وعليه فإذا روي حديث
بأسانيد متعددة ، وكان مدار الحديث على رجلٍ واحد ، وزيد في أحد الأسانيد رجلٌ
ونقص من بقية الأسانيد ، ولم نستطع الترجيح بين الروايات؛ مما يدل على أن الخطأ من
الذي دار عليه الإسناد ، فرواه مرة هكذا ، ومرة هكذا ، فتبين لنا أن هذا الراوي لم
يضبط هذا الحديث ، فيحكم على الحديث بالاضطراب ، ويتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما
يعضده من متابعات ، أو شواهد ترفعه من حال الضعف إلى حال القبول .
وأحياناً توجد زيادة
رجلٍ في أحد الأسانيد ، إلا أنّ الزيادة لا تقدح عند الأئمة إذا كان المزيد ثقة ؛
لأن الإسناد كيفما دار دار على ثقة . وقد تختلف أنظار المحدّثين في نحو مثل هذا
فبعضهم يعد الزيادة قادحة وبعضهم لا يعدها قادحة .
ومما وردت فيه زيادة
واختلفت أنظار المحدّثين فيها ، والراجح عدم القدح :
ما رواه بكير بن عبد
الله ([1])،
عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمان بن جابر ابن عبد الله ([2])
، عن أبي بردة([3]) t ، قال : كان النبي r يقول : (( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا
في حدٍ من حدود الله )) .
فهذا
الحديث مداره على بكير بن عبد الله ([4])،
وهو هكذا من غير زيادة في إسناده وقد صححه من هذا الوجه الإمام البخاري ([5])
، والترمذي ([6]) .
ورواه
الليث بن سعد ([7])،
وهو ثقة ثبت ([8])،
عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن
عبد الله ، به . وتابعه سعيد بن أبي أيوب([9])، وهو ثقة ثبت([10])، فهذه متابعة تامة لليث بن سعد .
عبد الله ، به . وتابعه سعيد بن أبي أيوب([9])، وهو ثقة ثبت([10])، فهذه متابعة تامة لليث بن سعد .
وتابعه عبد الله بن
لهيعة([11])
متابعة نازلة فرواه عن بكير بن عبد الله ، به لكن قَدْ خولف الإمام الليث بن سعد .
خالفه زيد بن أبي أنيسة([12])
- وهو ثقة([13])-
عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمان
بن جابر، عن أبيه ، عن أبي بردة بن ينار … الْحَدِيْث ، فقد زاد زيد بن أبي أنيسة
زيادة فأدخل جابر بن عبد الله بين
عبد الرحمان وأبي بردة .
عبد الرحمان وأبي بردة .
وقد توبع زيد بن أبي
أنيسة على هذا متابعة نازلةً ، تابعه اثنان :
فروياه عن بكير بن عبد الله،
عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة . هكذا روياه
بزيادة:(( أبيه ))
بين عبد الرحمان و أبي بردة فتابعا زيد بن أبي أنيسة .
هكذا حصلت الزيادة في أحد أسانيد الحديث ، ومداره على راوٍ واحد. وقد
اختلفت وجهات نظر المحدّثين :
فقد صحّح الرواية بدون
الزيادة الترمذي – كما سبق - ، و الدارقطني في العلل([18])،
و البخاري :
وصحح الرواية مع الزيادة
البخاري – أيضاً – ومسلم وأبو حاتم([19])،
والدارقطني في التتبع ([20]).
وقد حكم باضطراب الحديث الأصيلي([21])
قال الحافظ:(( ادعى الأصيلي أن الحديث
مضطرب ، فلا يحتج به لاضطرابه))([22]).
ولم أجد النقل صريحاً عن
ابن المنذر إلا أنه قال في الإشراف:((
لم نجد في عدد الضرب في التعزير خبراً عن رسولِ الله ثابتاً ))([24]).
أقول: ما ذكر من إعلال
الحديث بالاضطراب هو أمرٌ غير صحيح ؛ إذ إنَّهُ اختلاف غَيْر قادح فَهُوَ كيفما
دار فَهُوَ عن ثقة ، وَقَدْ دافع الحَافِظ ابن حجر عن هَذَا الْحَدِيْث دفاعاً
مجيداً ، فَقَالَ:((
لَمْ يقدح هَذَا الاختلاف عن الشيخين في صحة الْحَدِيْث؛ فإنه كيفما دار يدور على
ثقة، ويحتمل أن يكون عبد الرحمان وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج ([25])
في تحديث عبد الرحمان بن جابر لسليمان بحضرة بكير ؛ ثم تحديث سليمان بكيراً به عن
عبد الرحمان ، أو أن عبد الرحمان سمع أبا بردة لما حدّث به أباه ، وثبته فيه أبوه
، فحدّث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير واسطة … وقد اتفق الشيخان على تصحيحه ،
وهما العمدة في التصحيح ))([26]).
وللحديث شواهد فقد أخرجه
عبد الرزاق([27])
، و البخاري([28])،
و النسائي في الكبرى([29])
من طريق مسلم بن أبي مريم([30])،
عن عبد الرحمان بن جابر ، عمن سمع
النبي r …الحديث .
النبي r …الحديث .
وقد أخرجه الحارث ([31])
بن أبي أسامة ([32])
، من رواية عبد الله بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ([33])
رفعه . وقوّى الحافظ ابن حجر سنده إلا أنه مرسل([34])
، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه ([35])،
إلا أنه لا يفرح به لتفرد عباد بن كثير الثقفي به ؛ وَهُوَ متروك ([36]).
([7]) عند ابن أبي
شيبة(28866)،وأحمد3/466و4/45،والبخاري 8/215(6848)،وأبي داود (4491)، وابن ماجه
(2601)،والترمذي(1463)،والنسائي في الكبرى (7331)،وابن الجارود(850)، والطحاوي في
شرح المشكل(2443)،والطبراني في الكبير22/ (515)،والبيهقي8/327،والبغوي (2609) .
تنبيه : لليث بن سعد رواية
أخرى في هذا الحديث فقد رواه عن بكير مباشرة فقد أخرجه الإمام
أحمد 3/466 ، حدثنا : سلمة الخزاعي ، قال : حدثنا : ليث ، عن بكير بن عبد الله … الحديث ، ثم قال سلمة الخزاعي : (( وكان ليث حدثناه ببغداد عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير ، عن سليمان ، فلما كان بمصر قال : أخبرناه بكير بن عبد الله بن الأشج )) .
أحمد 3/466 ، حدثنا : سلمة الخزاعي ، قال : حدثنا : ليث ، عن بكير بن عبد الله … الحديث ، ثم قال سلمة الخزاعي : (( وكان ليث حدثناه ببغداد عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير ، عن سليمان ، فلما كان بمصر قال : أخبرناه بكير بن عبد الله بن الأشج )) .
([9])
عند أحمد 4/45 ، وعبد بن حميد (366) و الدارمي (2319) ، و النسائي في الكبرى
(7330) ، وابن حبان (4458) و ط الرسالة (4452) ، و الحاكم 4/381-382 .
تنبيه : وقع عند الحاكم :(( إسماعيل بن أبي أيوب)) وهو تحريف والتصويب من
إتحاف المهرة 14/25 حديث (17392) .
([25])
هُوَ أبو عَبْد الله بكير بن عَبْد الله الأشج المدني ، مولى بني مخزوم : ثقة ،
توفي سنة ( 120 ه) ، وَقِيْلَ : (117 ه) ، وَقِيْلَ : ( 122 ه) .
الثقات 6/105 ، وتهذيب الكمال 1/378 و 379 ( 752 ) ، والتقريب ( 760
) .
التاريخ الكبير 7/273 ، وتهذيب الكمال 7/105 ( 6537 ) ، والتقريب (
6647 ) .
([31])
هُوَ أبو مُحَمَّد الحارث بن أَبِي أسامة ، واسم أبي أسامة : داهر ، التميمي
مولاهم البغدادي صاحب "المسند" ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : صدوق ، ولد
سنة ( 186 ه) ، وتوفي سنة ( 282 ه) .
المنتظم 5/155 ، وسير أعلام النبلاء 13/388 و 389 و 390 ، وتذكرة
الحفاظ 2/619-620 .